يذكرني هذا المشهد دومًا بما ورد في "تنبيه الغافلين" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {إن الله تعالى يبغض ثلاثة نفر وبغضه لثلاثة أشد}: وذكر منهم {ويبغض المتكبرين وبغضه للفقير المتكبر أشد}
ربما أبتلع (أتجرعه ولا أكاد أسيغه في الواقع) دوافع هذا الرامي الذي لما اشتد ساعده رمى صديقًا، وهذا الشاعر الذي بمجرد أن تمكن من قرض الشعر هجى قريبًا، لكني أبدًا لن أستطيع تفهم دوافع هذا الذي حين رمى سدد سهامه إلى قلب من علَّمه الرماية، وهذا الذي حين هجا وجه قريضه لمن علَّمه نظم القوافي
المشكلة الأكبر أننا –نعم نحن، أنا وأنت- ربما نقع في مثل هذا الذي نكاد نفرغ بطوننا لمجرد سماعه ونحن لا ندري! وبالطبع يعمل عقلنا الباطن بمهارة في نسج التبريرات حتى لا يقتلنا التقزز من ذواتنا.. وما أمهره هذا النساج داخلنا
عبقريٌ هو الحديث الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي بإسناد صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: {...، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله عز وجل، ..}، ومعناه – كما جاء في النهاية- أن من كان عادته وطبعه كُفران نعمة الناس وترك شكره لهم كان من عادته كفر نعمة الله عز وجل وترك الشكر له، وقيل معناه إن من لا يشكر الناس كان كمن لا يشكر الله عز وجل.
بل أورد الإمام أحمد حديث آخر بصيغة التفضيل من حديث أبي هريرة {إن أشكر الناس لله تعالى أشكرهم للناس}، وثالثٌ رائع من حديث أم المؤمنين عائشة مرفوعًا {من أتى إليه معروف فليكافئ به فإن لم يستطع فليذكره فمن ذكره فقد شكره}0
وكأنه تكرار لغرس هذا المعنى في النفوس لجعلها قوية في مواجهة نسَّاج التبريرات داخلها، ولحشد الدعم لها في معركتها مع الطباع الفاسدة التي ربما تعتريها أو تلازمها ابتداءً