Friday, October 16, 2009

ذرات التراب التي أطاحت بغروري

ذرات تراب لا تكاد ترى استنشقتُها أواخر رمضان، ظللتُ أشعر بها أعلى صدري أيامًا، تثير سعالا خفيفًا مالبث أن صار قويًا. كل هذا وأنا لا أُعطِي للقضية أهمية كبرى- رغم خوفي لأنني تعرضت لقريبٍ من هذا منذ فترة- حتى سافرتُ ... يوم وقفة عيد الفطر.... لكن بمجرد وصولي وجدتُ جسدي ينتفض ودرجة حرارتي قد ارتفعت، وشعرتُ بثقل في جسدي وكأن قدماي لم تعودا قادرتين على حمله كما كانا، ما أقلق الأهل في البيت.
كان الوقت متأخرًا، وكانت ليلة عيد فربما لاأجد طبيبًا متاحًا الآن، ما جعلني أقول: إن شاء الله أتدثر بغطاء ثقيل وصباحًا سأكون بخير. لكنهم أصروا على الذهاب للطبيب، وبالفعل استجبتُ.
شعرتُ ساعتها –مع وطأة التعب، وغرابته، وربما كانت هناك بعض الشواهد الأخرى التي قوَّت هذا الشعور داخلي سأذكر بعضها هنا- أنها النهاية، فقبلتُ الأولاد وأوصيتُ أمهم، ثم ركبتُ السيارة.. وأنا في الطريق كنت أحادث نفسي: ماذا لو كانت بالفعل النهاية، أتُراك مستعد لها؟!
وجدتُ التوبة تنساب إلى قلبي، والخواطر تتزاحم في رأسي، وإذا بي أقول يارب أرجو رحمتك وأخشى ذنوبي فارحمني وتقبلني.
الجو ليلتها لم يكن باردًا لكن ارتفاع درجة حرارتي أجبرني على ارتداء جاكت، وفي السيارة بدأ العرق.. ووسط هذا كله كنتُ أشعر بسعادة غامرة، ونطقتُ بالشهادتين وقلتُ لنفسي: بإذن الله لو لقيتُ الله هكذا أطمع أن يغفر لي ويتقبلني.
هناك بعض الأشياء التي حدثت جعلتني أشعر فعلا أنها النهاية: مثل تقبيلي للأولاد، كما أنني سلمتُ على أناس كثيرين يوم وقفة عيد الفطر لدرجة أنني قلتُ لأحد زملائي مازحًا يبدوا أنني لن أسلم على أحد غدا يوم العيد، بل سأشير لهم من بعيد، وقلتُ ساعتها: يبدوا أنك بالفعل لن تسلم على أحد بل ستشير إليهم من بعيد وأنت في نعشك!
تخيلتُ زوجتي وهي تجلس في عزائي وتقص كيف سلمت عليهم وقبلتهم.. هكذا تقول زوجات كثيرات بعد وفاة أزواجهن: (يبدوا أنه كان يشعر بقرب أجله).
كانت هناك آية لا تفارقني طيلة هذه الليلة وما بعدها، قوله سبحانه في سورة يونس:
نسير في الحياة، نجد الأمور مستقرة، والنعم تتوالى تترى، فنفرح ونمرح، وربما ننسى! حتى إذا واجهتنا مشكلة تذكرنا ربنا، لأننا نعلم علم اليقين أنه الوحيد القادر على إنقاذنا وتفريج كربنا.
الغريب في الآية أن القرآن وصف دعاء هؤلاء الذين يكفرون بنعم الله بـ (مخلصين له الدين)، حقًا تستخرج المحن من القلب التوبة النصوح والأوبة الحقيقية، وربما ابتلانا ربنا لنفعل فنُرحم!
قد يظل المرء ليالي وأيامًا يحاول لم شعث قلبه، فيأتي المرض الخفيف فيفعل هذه المهمة!
وقد يعتصر المرء عينية أسابيع فتبخل عليه، ثم تأتي المنحة فتنساب أعين الدمع.
فهل هذه محن، والله إنها منح
هل هذا مرضٌ؟ والله إنه شفاء.
فالحمد لله الذي يشفي بما كنا نعتقده الداء، ويمنح الهدايا عن طريق ما كنا نخاله –لقلة علمنا، وإظلام بصائرنا-محنًا.
فله الحمد كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه.
له الحمد يلطف، ولا يأخذ بالذنب
له الحمد أرفع إليه يداي هاتين، وفيهما ما فيهما، فيستحي أن يردهما صفرًا خائبتين!
أبوء بنعمتك علي، وأبو بذنبي، هذه يدي وما جنيتُ على نفسي.
وهنا تذكرتُ الآية الثانية ، فقلتُ: هل ياتُرى ستستقيم بعد أن يفرج الله همك، أم ستتنكب الطريق، وتنقلب على عقبيك؟!
سؤال يسبب الرعب الأكبر.. لأن ربنا في الآية حذر (إنما بغيكم على أنفسكم) فما تفعله ستجني أنت – لاغيرك- حصاده !
ثم تردف الآية (متاع الحياة الدنيا).. حقًا فكل ما يعصي الإنسان ربه لأجله ماهو إلا متاع زائل ، وبعده (ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون)... يا الله.
هذا السيناريو يتكرر معنا كثيرًا، نقع في محنة فندعوا الله مخلصين – بعدما استخرجت المحنة الإخلاص من قلوبنا قسرًا- لكن بعد أن تصبح أقدامنا قادرة على حملنا مجددًا، ننسى ونعود لبغينا.
هذا القرآن لا يقص علينا قصص الأقوام السابقين ليسلينا، ورب الكعبة أشعر كثيرًا أنه يصف حالتي أنا شخصيًا في أكثر من موضع، بصورة لو أردتُ أنا وصفها لفشلتُ!
ولم لا وهو الكلام المعجز! هذا الذي بين أيدينا ليس بمخلوق!
كل هذا وأنا في السيارة...
ولا يفارق رأسي تقصيري في رمضان، وخوفي من ذلك أثناء فترة المرض هذه
قدر الله أن نتوجه لأحد الأطباء المتخصصين في أمراض الصدر، بمجرد أن رأيته استبشرتُ بوجهه وبعد أن كشف عليَّ وكان مستمعًا جيدًا، وشارحًا حاذقًا، كتب لي أدوية استغرقت وجهي الروشتة.
رجعتُ للبيت وركبوا لي الجلوكوز الذي كتبه الطبيب، قرابة الثانية صباحًا
لله الحمد والمنة شعرت بدرجة الحرارة تنخفض حتى قبل أن أتناول أي أدوية، وقبل الجلوكوز حتى
نسيت أقول إني استعنتُ بمريم ابنتي في بداية هذه القصة، بأن وضعتُ يدها- فهي أطهر من يدي- على رأسي ورددتُ دعاء النبي: بسم الله بسم الله بسم الله
أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر (7 مرات) وقلتُ معها ويدي على جسدي
والآن الحمد لله فيه تحسن كبير ولم يبق إلا السعال.
(بعد أن انقضى كل شيء، وشعرت ببعض العافية) بدأت الأسئلة تتزاحم في رأسي أكانت: هذه منحة من الله كي يغفر لي بعض تقصيري؟ ولحسن ظني بربي خطر لي أنها ربما تكون منزلة لن يبلغني عملي إياها أراد بهذا المرض أن يمنحني إياها (لا تضحكوا، فأنا ضحكتُ بالفعل على نفسي، لأنني أدرى بها منكم).
بعدما عدتُ إلى القاهرة وجلستُ وبعض صحبي نتذاكر هذه الآيات فتحتُ المصحف، وعجبًا رأيتُ:
وجدتُ آية أخرى تناسب حالي وأنا غير مريض!!
حتى لا يظنن أحد أنه بعيد عن قدرة ربه، حتى وهو في غاية الصحة والقوة
بل حينما يرى الأرض قد تزينت له وأظهرت زخرفها، وشعر بأنه قادر عليها ممسك بزمام أموره يستطيع تسيير حياته كيف شاء
هنا -في غفلته تلك-تأتي المفاجأة
آية عجيبة، وسيناريو كثيرًا ما رأيناه يحدث لأناس بيننا
نقول كان في ريعان شبابه، ولم يمرض، لكن الموت لم لا يعرف هذه الأشياء

0 comments:

Followers

Followers

Pages


Blogger Templates by Isnaini Dot Com. Powered by Blogger and Supported by Urban Designs